دابيهي الرجل الذي بنى اكادير (الحلقة الثانية ) بقلم :عادل الكمامدية


عاد الى دواره خاوي الوفاض تاركا منزله الطيني الذي كان يكتريه ب 600 ريال في اموكاي بالدشيرة ، عاد رغم توسلات ابنائه الذين سئموا حياة التعاسة و الفقر  بالدشيرة فما بالك بذلك الدوار الذي هربوا منه ، دابيهي يعتقد ان بستان الرمان لا زال كما كان ، العنب ، النعناع ، شجرة الزيتون ،  بور اللوز ، ماء العين و جمالية النهر كذلك          و كان يخبر ابناءه بذلك لإقناعهم  بأن حياتهم في البادية افضل ، لا يهم الدابيهي رأي ابنائه فرأيه واضح و لن يتراجع عنه ابدا ، فهكذا و كان و سيكون دوما .
عندما عاد الى قريته كان عليه ان يخوض معارك لاسترجاع ممتلكاته التي اغتصبها اشقاؤه و اعمامه و ابناء اعمامه ، خاض معاركا لا تقل  شدتها عن المعارك التي قادها الشعب المغربي ضد المحتل الفرنسي و الاسباني ، هذه  المعارك زادت من قسوة الدابيهي  و جعلته لا يثق في احد ابدا . لا يشارك اهل دواره لا الاكل و لا الشراب بل لا يشاركهم لا افراحهم و لا احزانهم ، قلبه اشد صلابة من حجارة بستانه الذي شيده وسط النهر في تحد كبير للطبيعة ...  دابيهي لا يحدث أحدا حتى و ان صادفته في الطريق لن يلقي  لا السلام و لا التحية ... لن تسمع صوته الا اذا كان يخاصم احدا ، زوجته تنتظره دوما في مدخل الدوار تساعده في تمرير قطيعة و منع اختلاطها مع قطيع باقي الرعاة ، و إذا حدث و ان تأخرت يوما عن المجيء حتى بسبب المرض او العياء فالويل ينتظرها سيرسل لها كل ما صادفه في الطريق ... بنته تجاوزت العشرون سنة قال بأنه لم يسجلها في المدرسة رغم ان المدرسة كانت قريبة من المنزل الذي كان يكتريه بالدشيرة ، المدرسة قريبة جدا و رغم ذلك منع بنته الوحيدة من الدراسة ، يقول دوما ان المدرسة تفسد اخلاق الاطفال و لا يكف عن انتقاذ الاباء الذين ارسلوا بناتهم لمتابعة دراستهم  بالثانوية الاعدادية او بالجامعة  ، دابيهي رجل محافظ جدا ( على التخلف ) رفض ارسال بنته الى المدرسة للدراسة لكنه لا يستحي من ارسالها للرعي وحدها في الغابة من الصباح الى المساء ، دابيهي رجل غريب ابناءه الذكور كذلك غير متمدرسين ، لا يعرفون الا الغابة و الحقل ، هربوا جميعا من دكتاتوريته المقيتة و بقي وحيدا ، ابنه الاكبر كان يشتغل في احد حقول القزبور بسيدي فارس مقابل 100  ريال في الاسبوع ...
دابيهي عاد الى دواره خاوي الوفاض ، حتى النقود التي كان يدخرها اشترى بها عددا مهما من قطيع الماعز و الباقي اشترى به مذياعا جديدا ،  دابيهي  لا يكف عن سب  سكان دواره جميعا كبيرا و صغيرا و لا يستثني منهم احدا  ، يسب حتى امام المسجد .
من حسن حظ دا بيهي انه يتواجد في دوار منعزل سكانه لا يكترثون لترهاته يتركونه يفعل و يقول ما يشاء  ، دابيهي من عادته مناقشة الفقيه  ، مؤخرا طرح على الفقيه سؤالا غريبا لم يسبق لي السماع بمثله " ما معنى السنة داخل الفريضة ؟  "  طرحه مرتين امام دهول الجميع و امام احمرار وجه الفقيه ، الكل محرج و متذمر من وقاحة دا بيهي ، و زادت وقاحته بمغادرته للمسجد بعد ان عرف ان الفقيه عاجز عن الجواب ، الكل عاجز عن فهم السؤال ناهيك عن معرفة الجواب . دابيهي انسان امي لكنه يعتقد انه عالم يعلم كل شيء ... اما انا فأمنيتي هو اللقاء به لمعرفة جواب هذا السؤال ... اختفى دابيهي عن الانظار مصرا على هجر المسجد ... هجرنا نحن ايضا ... دابيهي انسان قاسي صحيح لكنني أشفق لحاله و أقدر قساوته هذه فهي انعكاس عادي لقساوة هذه الطبيعة ، طبيعة لا تعرف الرحمة و الحنان رجلاه المليئة بالجروح دليل على هذا ، دابهي ينتعل حذاء بلاستيكيا بدون جوارب احيانا يضع قطعة من الثوب لتخفيف الالم و الجروح ... جاء ليلا بعد غياب دام ايام معدودة بعد حادثة المسجد ، يسير في الليل من دون مصباح بدون خوف يجلس في اي منطقة دون التأكدمن خلو المكان من بعض الحشرات السامة ، يفعل دلك دوما حتى في فصل الصيف .. لا يخيفه شيء ، قلت له دابيهي تعال اجلس هنا على الكرسي المكان قد يخفي حشرة سامة ... اجابني بما مفاده انه لا يخاف من الحشرات و لا من حيونات الغابة و لا من الجن ... " نكي بنادم ادكسوضا " بنادم ايتيكصادنضن عوزمزاد اودي اسي عادل " و واصل كلامه " يان دريت الحرام ادكام اموند ديات تمغارت اروحد دار x ... " اوقفته لأنني اكره هكذا مواضيع الحياة الخاصة للناس لا شأن لنا بها ، الذي يهمني من دابيهي هو معرفة تاريخ مدينة اكادير من منظوره كإنسان بسيط عايش التحولات الاقتصادية و الاجتماعية و العمرانية لأكادير ، اضافة الى التحسيس بمعاناة سكان المغرب العميق ... لكن الذي كسر رأسي حاليا أكثر هو جواب سؤاله الغريب ، سؤاله الغريب الذي طرحه على الفقيه ، لم أحصل منه على الجواب الا بعد استهزاء بمعلوماتنا انا و زملائي و استهزأ كذلك من الفقيه و من كل سكان الدوار لأن الجميع وقف حائرا من سؤال دابيهي : " هاتي أ دابيهي ارتنين لي فاتك بالليلة فاتك بالحيلة " " نكي بعدا ادابيهي نيغ باع توفتيي " . كان لزاما الرفع من معنويات الدبيهي لعله يسرع في فك رموز هذا السؤال المحير ... تدخلات زملائي كذلك كان لها الفضل في اقناع الدابيهي  ... ( يتبع) .
............ عادل ...........

تعليقات