المعلقات السبع أوالذاكرة المزروعة /بقلم : خديجة يكن

المعلقات السبع أوالذاكرة المزروعة:
ذات يوم، في مدينتي الدارالبيضاء، عمق الشاوية العظيمة، دعيت لندوة حول الثقافة الأمازيغية، قررت أن يكون محور مذاخلتي موضوع عن الثقافة الأمازيغية لما قبل الإسلام، تعبنا من مواضيع الأدب الجاهلي، فلنكسر إذن العادات السيئة لمثقفينا ونتحدث عن أشيائنا نحن٠ كنت أعرف أنني سوف أطرح موضوعا جديدا وأكثر من ذلك غريبا على مسامع الجمهور، فأنا وكل هذا الجمهور خريجوا مدارس الدولة الإيديولوجية، نحن أبناء المعلقات السبع في الجاهلية العربية، وليس لدينا شئ آخر غير ذلك كذاكرة٠٠طبعا تلك الذاكرة المزروعة فينا تماما كما نراها في أفلام هوليوود، حين يتم تخدير الضحية بدون ألم، يزرعون في ذهنه ذاكرة بديلة تحمل صورا ووجوها وأحداثا ماضية، تظنها الضحية ذكرياتها الشخصية حتى يحصل حدث غير متوقع، كخلل في جهاز التحكم، أو فيروس ما، لتظهرالحقيقة المرة، بالنسبة لنا كأمازيغيين، يقظتنا جاءت بالدرجة الأولى من كون هويتنا أقوى من أن تتحمل الطمس٠
تلك المعلقات السبع زرعت في جميع الرؤوس ومن كل المستويات، تساءلت دوما لماذا يكررونها في مقررات المستويات الإعدادية والثانوية التي درسها جيلي أنا، جميع الشعراء المعلقة أشعارهم على أستار الكعبة قبل الإسلام مفروضين علينا فرضا في كل المستويات بعد الإبتدائية، كانوا يزرعون أجدادا غير أجدادنا، يوهموننا بأننا منهم وأنهم تاريخنا، لهذا اليوم وأنا أقرأ مقالا لأستاذ جامعي كتب عن الأدب الجاهلي واصفا إياهم بأجدادنا في الجزيرة العربية، ٱبتسمت بشفقة لأني كنت أقرأ لضحية زرعت فيها ذاكرة غير ذاكرتها ولم يحصل له بعد تذخل فيروس إيجابي معالج ومضاد للذاكرة المزروعة٠
ولن يحصل تغيير لمثل هذا الأستاذ، لأن ذلك معناه أن يفقد المنطقة الآمنة التي عاش فيها طويلا، فقدانا سيجعله أشبه بوعاء فارغ، وكم هو مخيف أن تكون بلاهوية وما يقتضيه ذلك من بحث مضن، يفضل بعضهم عدم خوض المغامرة المؤلمة فيكتفون بالتعلق أكثر فأكثربالذاكرة المزروعة، لهذا هم يقاومون أي شئ قد يبعدهم عن الكذبة التي يعيشونها، فقط لأنها كذبة مريحة لأعصابهم٠
فكرت في كل الإحتمالات وأنا أكتب محاضرتي، سيتم ٱنتقادي، ليس مشكلة، سيتم ماذا أيضا؟؟؟٠٠لن يحصل شئ، كنت واثقة من قدرة المغاربة على إبداء قدر من التعقل والأدب، حتى وإن كنت شيئا ما غير واثقة، لأن الندوة ستكون في مركب ثقافي في منطقة شعبية في الدارالبيضاء، وسيكون هناك موظفون، معلمون، أساتذة، طلبة وجمعويون٠
تحدثث عن الأدباء، قصاصين، شعراء، مسرحيين، محامين، رجال دين٠٠٠كلهم أجدادنا لحضارتنا قبل الإسلام، كنت أرى وجوها غير مصدقة، كانت أول مرة تسمع هذه المعلومات، ووجوها مصدومة، كانت مؤمنة لدرجة اليقين أن الأمازيغ ليست لهم حضارة ولا ثقافة ولا وجود، كان هناك أيضا من لم يبال، وكأن ذلك لا يعنيه فهم أجداد شعب يسكن خارج الكوكب، ليس شعبه هو، ذاك الشعب الذي يعيش في الذاكرة المزروعة٠هؤلاء الذين نجحت عملية زرع الذاكرة لديهم بنسبة تفوق المتوقع٠
كانت مذاخلاتهم متوقعة، لكنها مقبولة وقد لمست فيها رغبة صادقة في الفهم، ومعرفة المزيد، حتى أن أساتذة يدرسون في الثانوية أخبروني أنهم لم يسبق أن قرأوا ذلك أوعرفوه، ذلك لأننا نختلف في مرجعياتنا، هناك من لاتتجاوز مرجعيته مقررات المدرسة وياله من عذاب سنوي أن يكون عليك في كل سنة أن تحفظ عن ظهر قلب أبياتا طويلة من قصائد المعلقات السبع، حتى تصير جزء من حياتك، بل كانت ملزمة بصرامة أكثر من القرآن الذي كانت آياته قصيرة ولم نكن ملزمين بحفظ سور متوسطة أو طويلة، بخلاف المعلقات السبع "المقدسة"، وهناك آخرون مرجعياتهم تستقى من الجبل والأنهار والسهول وتجاعيد الأرض العريقة الجذور، مثلي ومثل غيري ممن يكفيهم أن يشموا هواء الحقول لكي يتعاملوا بمبدأ أنه ليس بينهم والمعلقات السبع سوى درسا طويلا في اللغة، لاأقل ولاأكثر٠
أحيآنا نحتاج لصدمات معلوماتية لنستفيق، أحيآنا نحتاج أن نفتح قلوبنا لنستفيق، أحيانا يكفي فقط أن نحب هذه الأرض التي جعلها الله مكانا لنا لنستفيق، هذه الأرض الأمازيغية٠
وأخيرا سأنهي نصي هذا بموقف، كنت يوما في لقاء حضره مسؤول ثقافي، أراد أن يدعم كلمته ببيت شعري، فألقى علينا بيتا من المعلقات السبع، فضحكت حتى ٱغرورقت عيناي بالدموع، ولم أستطع التوقف من الضحك إلا بصعوبة٠

تعليقات