غادة: امرأة من زمن الشرق.. (+18) الجزء الأول. بقلم:سعيد تريكيت

الخيال، جنون ورغبة، لا يخون، دائما، تلك التحفة من الأحلام... غادة حبيبتي، زوجتي الجميلة، رفيقة ظلي الحميم، صورتها أمامي، أول مرة التقي بها على هامش ندوة لدعم القضية الفلسطينية بالمغرب: كاملة القد، عريضة الحوض، خصبة، كحيلة الشعر، واسعة الجبين، زجت الحواجب، دعجاء العينين في كحولة، مفعمة الوجه، أسيلة، ظريفة الأنف، خذين مكتنزين، ضيقة الفم، محمرة الشفائف واللسان، طيبة رائحة الفم، طويلة الرقبة، غليظة الصدر تتوسطه خالة كتوقيع، واقفة النهود، ممتلئة الوركين، واسعة الصرة...
هيام فرح وظمئ رجل من الرباط، أنهكه الربو والسكري، القاطنين هشاشة عضامه، دون تدوين في سجلات المقدمين والشيوخ... سرنا عبر الشارع المتدفق بأمواج الورع والطيش.
عجلّ جمالها بشرودي الواضح لمعانقتها، ويدي اليمنى تطوق ظهر تلك الغادة الشامية  -كما يحلو لي ان أناديها في ما بعد-وتنحني لتتربّص فوق طراوة النهد المشدود كالطلقة في قلب المسدس القدر، الموت. وقفنا طويلا. تكلمنا بلا انقطاع. كانت تستسلم ليدي، تكسبني، بلا هوادة، أردافها المعطاء. كلما ودعتها بقبلة عادت لتبدأ من جديد كلاما بلا منتهى...
تعرفت على غادة: غادة الشامية، المشبعة بالافكار القومية، اليسارية التوجه في ملتقى دعم القضية الفلسطينة بالمغرب.. وانا اتطلع لوجهها كل مرة أخالها: ليلى المغربي تطلق ابتسامتها الواثقة من بعيد، و هي تخطف الطائرات، و الغرب راكع يرتعد من نتائج عمليات المقاومة،  على الطريقة "التروتسكية"..
صيف  1982، سيشكل لي نافذة على العالم.. سيمكنني من معرفة الشرق الأوسط من بابه الواسع.. شرق حمل معه، أخبار احتلال او عاصمة عربية من طرف الكيان الصهيوني، امام انظار العالم العربي الممتدد على شواطئ اللهو و الاستمتاع بصيف صاهد..
فيروز التي، عجلت بي في الغرق.. في البحث عن المشرق العربي.. في البحث عن اراضي الشام وساكنتها، بتلاوينها وصراعاتها، ومجتمعاتها وطوائفها.. خاصة لبنان وسوريا..
خروج المقاومة من بيروت، او بالاحرى انهزامها وتصويره على انه انتصار، عمل على تشتيت صرح الممانعة و التصدي، واغرق المخيمات داخل لبنان، في حروب اقل ما يمكن  ان توصف بحروب ملوك الطوائف.. في حين اختار صنف اخر. النضال من فنادق المنافي و صالونات من يدفع اكثر...
وكانت.. ناقمة على مسار قضية و تاريخ شعب..
ضربة نرد جادت بها الجغرافيا والتاريخ المشترك في ذلك الفصل الربيعي.. عزمتها لقضاء عطلة في بيتي الريفي.. قبلت دون تردد..  أكلنا حتى اكتفينا. تحدثنا طويلا في أمور، حاولت جهدي أن أكون قريبا من الجسد... ضحكت حتى ارتخت عضلاتها... وضحكت فوق المعتاد...
قرأت لها الشعر مع وقع السحر في عيناها بمفعوله. تغمز كنجمة قطب عند سماعه... ذهبت لتستحم وتتعطر، أرخت شعرها المتوحش. لبست غندورة حمراء. أبانت عن فتنة، ظل يخفيها جسدها طوال الوقت، تحت لباس سروال جينز أزرق الفضفاض وقميص من الساتان الأحمر المهلهل... فقصتها مع اللون الأحمر قصة دم قاني، سُكب على فخدي وطن منذ الأزل...
وتريث الى حين.. خرجنا في نزهة على شط البحر، نتخلص من وجع قضية وألم شعب تنكر له العالم...
كان المشهد بلا رتابة، ودن مقدمات و لا حواجز تفتيش العقول.. تلقائيا، دون خجل من رغبة دفينة، يتحكم فيها الحلال والحرام..
جاءت ساعة الشد. القبلة الموتوقة، المفخخة، الشفة على الشفة والساق على الساق، ملتفة عند ناصية الشارع. تماما عبد باب الغروب. أطلـِقها مذهولة. دائخة. منهكة. منفوشة الشعر. حمامة... وميض لعابها شهد عسل على شفتي...
استسلمت لها وهي تسند رأسها على صدري. تمسك يدي. تقبلها، لأول مرة، تقبل امرأة يد عاشقها في تاريخ ذاكرة أفكاري... قبلتني، هاجمتني. موجة هائجة تغرقني في بحر الشوق. قبلتها بسغب، أمام غـِلـْسِ الشمس، أمام البحر... تجاهلت نفسي على شط الرمل...
في لوحة عميقة الغور، والإحساس المفرط من الرومانسية... الصخور تحرسهما. الطيور. السحب البيضاء العابرة... أدم فيّ: يحتال على التفاحة... يأكلها، يقضمها...
انفلت مني الحديث، كدت أنسف جسر الرغبة. أنا العاطل عن العمل والحب، المتعايش مع السجون، مقامي هناك أضعاف مقامي على ثلة البلدة الموعودة... أنا المحكوم بمغادرة البلدة، سابقة لا تجوز، إنه خرق عن التاريخ... ردي كان مرتجفا. أيقنت أن الزمان كان يسقط... كادت المهرة أن تلقي بي أرضا. فأمسكت بخصرها جيدا...
أثوابنا ابتلت برذاذ نثيب البحر... زبد الأمواج يلاحقنا... تراجعنا بخطوات ملونة... متعانقين. متلاحمين. ملتصقين. ما في الجبة غيرنا... ما أسخى الأثواب الهفيفة... لم أكف عن استرجاع ثنورتها الصيفية، المفتوحة بكرم، الكاشفة عن نهدين شهيين...
جلست ملبد الإدراك. هل أعود إلى المزرعة أم الشقة؟. ..
حواء المقصوفة صامدة. مدمرة. مسالمة. ثائرة. والليل يدق عليّ الأبواب الصماء. انخلع قلبي برجة الآذان... حي على الصلاة... حي على النوم... الجوع يسحقني... كنت منخورا حد البهجة... كنت سعيدا حد المهزلة...
غامت صورة الأرض عني. تلاشت لتسقط الأرض وليعيش الجسد... الجسد، فرصة العمر الملتهبة... هاهي في حوزتي، في حضني، بين يدي، ملك يميني، ستقضي الليل معي... لصيقة... ولو بتمنع في أول الأمر... ضحكت من خياشمي لأنني، أيقنت ربحي نصف الجولة...
طعنة لذيذة من خنجر لسانها... توافق على المبيت معي... صفعة مباركة من يدها الحنون... سنقضي الليلة رأسا إلى رأس، وثالثنا شيطان الشبق والنشوة... والله يراقبنا من علياه سعيدا... فليكن إذن: الحياة فرصة والشفاعة شعاري...
ستكون لابسة جلدها كيوم ولادتها، وبدوري أكون عاريا تماما فوق مذبح الوجع... وتكون لصقةً، نجمة متلألئة تضيء سبيلي الحالك... ولو لحين...
عادت نمرة في فترة الإدبار... أقبلت علي، فانهارت علي كموجة هائجة، ضمتني، قبّلتني في كل الأمكنة، مصت شفتي السفلى، ومصصت شفتها العليا، مددت يدي إلى فاكهة الإجاص وعصرتها، بعد تحريرها من وثاق حمالة الغواية...
كانت في أواني القطاف. حلت سراويلي، مع خشخشت حزامي، وبرودة أناملها على حوضي، قشعريرة اجتاحت قلعة بؤس جسدي، فاحتلت ربوع أنهار ووديان دمائي، تحت عزف نبضات أوتار فؤادي، المسجون وسط القفص الحرمان والتمني...
دخلنا حرب الأدغال.. حرب التحرير... كانت الحلبة ممتدة من الغرف الثلاث والمطبخ والحمام... والبهو الساكن إلا من موسيقى صامتة، تحرض على الإقتتال والغزو... استعرت الحرب حتى لوحت لي بالراية البيضاء. تبادلنا الكر والفر، الهز واللز...
ثم ساد سكون مفاجئ، ما كان يتخلله إلا شهيق متقطع... سرعان ما تحول إلى تنفس متسارع. وأُعلن السلام... وهي السليلة لنزار قباني بجانبي كحمل وديع. مجردة من تلك الشراسة التي تـُبرق في عيناها...
نبع مسحور، لا يغادره شارب إلا هالكا... توقفت متعبا عند زاوية البوح المكسو باللهفة، المطل على ساحة الجسد المهجور... أتأمل شبحي الغابر في قلعة هذياني... أحضن صورتها بحب لافت.. يغالبني النوم مستسلما لحظته، منتهيا بقبلة الافتراق... وجملة كقذيفة:   هل تكوني زوجتي؟؟؟..

يتبع...

------------------
و ما  زال في القلب حكايااااااااااااات...

تعليقات