الصوتُ واللحية غَير المُشذَّبة /الكاتب : سيومي خليل

الكاتب : سيومي خليل
الصوتُ واللحية غَير المُشذَّبة
---------------------------------
كَانت ثَلاَثُ نِساء فِي المَقعد الثَّاني للطَّاكسي الذي أَقلني من جمعة سحيم إلى آسفي ،الأُولى كَان وَجههَا غَائر في أفكار غير وَاضحة ، والثَّانية كانت جميلة فَقط على مَايَبدو ، والثالثة كَانت مُنشغلة في حديث لا ينْقطع عَن مَشاكلها . كَان الطَّاكسي ينتظر راكبين إثنين كَي يَتحرك .جاء الراكب الأول وكَان بِلحية تَتدلى من ذقنه ، ورَكب قربي فِي المَقعد الأَول . *لا سَلام ولا كلَام ...*جَلس وصَمت ...،وأرغم تَجهمُه المَرأة الثالثة على الصمت . بَعد صَمت كئيب جَاء الرَّاكب الأَخير ، وجَلس قُرب النسَاء الثلاث. قَبل أن يضعَ مؤَخرته عَلى المقعد بَدأ بالحديث مع إحدى النسَاء .
- *تسوخري عفاك شوية ...غير شوية*
لكي يُظهر إمتنَانَه للسيدة التي أَفسَحت له مجالا للجلوس ، قَال بصوت واضح كأنه يَرغب في إثَارة مَشَاعر النساء ،وتبديد الصمت الذي يُخَيم عَلى الطاكسي الذي تحرك :
-*العيالات هاد الوقت ولاو حسن من رجال ...*
كُنت عَلى يقين وأَنا أَسمع هَذه العبارة أن *بولحية *الذي لَم يُحَيينا بِتَحية الإسلام أو حَتى بتَحية الكفر ، بَل ربَما أطنهُ يَنعل اللحظة التي جَمعته مَع نساء إحداهن مُثيرة ويَتَضوع منها عِطر جميل فِي الطاكِسي ...
كُنت أَتوقع أن *بولحية* سَيرد ُ عَلى ما قَاله الراكب الآخر .
كَرر صاحب العبارة عبارته مَرة آخرى ، وهذه المرة وجه كَلامه لسائق الطاكسي :
-*واش كاين هاد شي أمعلم ...واش العيالات حسن من رجال هاد الوقت ..*.
لمْ يَبق أمام *بولحية *إلا أَن يَنفجر ، ودُون أن يَلتفت أو يَرفع عينيه في صَاحب العِبارة ، قَال وعينه مُصوبتان نحو الطريق :
- *وهدر على راسك أسي ...آش كتخربق* .
كان صَوت* بولحية* جَديرا بمدفعية ،هو معنى آخر لسيف حاد ، أو لرصَاصة تَخرج من فَوهة بندقية صدئِة .
الراكِب المسكين لم يدر مَا يقول ،فصوت *بولحية* كانَ كَافيا لوحده أن يجعله يصمت مسافة الطريق ، وهَذا ماكان بالفعل ، فَلم ينبس صديقنا بأي كلِمَة بَعد رصاصة *بولحية* التي اقتحمَت لسانه ولَجَّمته .
حين سَمعت ما قاله *بولحية* ، وصَوته الهَادر ،ظهرت ابتسامة على وَجهي ، وتَحولت بِسرعة إلى ضحكة حَاولت كَتمها فلم أنجح ، فأنا تذَكرت في تلك اللحظة كل مهازل وكوارت هَؤلاء القوم ، وتذكرت خرافاتهم التي لا تَنتهي ، وتذكرت إقصاءهم للآخر .
ضَحكت ، ونَظرت إلى صاحب العبارة المسكين ،كي أُسَانده في محنته ، ونكَاية فِي *هاد بولحية *، ولَيس تأَكيدا لكَلامه على الإطلاق ، فَلاَ يَجب وضع مقارنة اطلَاقا َبين النساء والرجال ، ولا يُمكننا أن نُمَيز بَينهم جِنسيَا .
قُلت له :
- *عندك الحق أمولاي ...*
لكِن رَغم ما قُلته فإن صديقنَا * ضرب الطم * مسافةَ الطريق ، وهو له الحق في ذلك ، فاللحية غَير المُشذبة والصَّوت المُرعب كَفيلان بأن يجعلانه *يضرب الطم *.

تعليقات