القديسة والعراف.. بقلم // سعيد الوزان

فجأة، سكت الحزب الحاكم عن الكلام المباح وابتلع قياديوه الثرثارون ألسنتهم، ولم يجدوا ما يفعلونه سوى دس رؤوسهم الصغيرة كالنعام في رمل أكاذيبهم الكثيرة وترهاتهم، وهاهم يجرون وراءهم الفضائح التي تزكم الأنوف محاولين التنصل منها،ولكن عبثا.. لقد تركوا الحبيبين الشهيرين يواجهان قدرهما الأسود وحيدين ، تماما كما كان يحدث في التراجيديات القديمة، ولم ينبس زعيمهم وعرابهم الأكبر وسادن معبدهم ببنت شفة، كيف لا وقد أصابته حكاية شهريار الحكومة وشهرزادها في مقتل، ولم تجد السيدة الوزيرة، المرأة التي بلغت من العمر أرذله ولازالت تبحث عن زمنها الضائع المنسي بين أحضان وزير سقط عنه الواو،من مخرج لورطتها إلا أن تركب عنادها الوحشي متشبثة بالوزارة وبالحب معا، وتتمثل بالآية الكريمة:» إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا» لتخدع من لا عقل له،مصورة نفسها ،وحاشاها، أنها مريم العذراء، وستصوم عن الكلام..والحال الذي لا صنو له،أن لا كلام يعلو فوق صنيعها الذي لا يدعو للخجل فقط، بل وللرثاء أيضا، سوى أن نردد ونحن نضع أيدينا على قلوبنا حزنا وشفقة على هذا الدرك الأسفل من الانحطاط الذي بلغوه، أن لا حول ولا قوة إلا بالله..
وحده بوانو أخرج رأسه من القمقم العجيب لحزبه، وهو العفريت الذي لا يخرج إلا إذا حك أحدهم قمقمه، أخرج رأسه ليقول لنا، فيما يشبه الفتح العظيم، إن الشوباني وبنخلدون سيغادران الحكومة، ولم يكتف بذلك، بل إنه كعراف قديم أخذ يرطن بلغة غير مفهومة مرددا تعاويذه السحرية ليفيدنا بخبر خروج وزيري الحب والغرام من حكومة مخادع النوم في المكاتب الوزارية المكيفة، ونسي عرافنا المسكين،أن من عليه أن يغادرنا إلى غير رجعة،هو هذه الحكومة البائسة التي أغرقتنا في مشاكلها التافهة بدل أن تلتفت إلى مشاكلنا نحن، بسطاء هذا الوطن وفقراؤه، الذين علقوا الآمال على الفقيه رجاء في بركته، ويا ليتهم ما فعلوا..
هل يكفي القول إن القناع قد سقط، لا، لقد سقط القناع وسقطت معه أكذوبة التدين التي لا يكفون عن التبجح بها، وظهر المستور وانكشف الغطاء عن دعاة الإصلاح المغشوش وتجار الدين الذين ما فتئوا يواجهون مناوئيهم بشعارات رنانة عفا عنها الزمن،حتى تبين بالملموس جوعهم وعطشهم للسلطة وحلاوتها ،وها هم يتهافتون على اقتناء أفخم الفيلات والسيارات الفارهة،في ضرب صارخ لأبسط الشعارات التي يرفعونها من قبيل محاربة الفساد والمفسدين وترشيد النفقات وغيرها،والحال أنهم أول من يسهم في تبذير المال العمومي وإغراق كاهل ميزانية الدولة بمصاريف هي في غنى عنها.
ثم إن الأدهى والأمر، ليس هو أن يدعي الأخلاق من لا أخلاق له، ويدعي التدين من لا دين له، ويدعي الوطنية من لا ذرة حب في قلبه لهذا الوطن، بل إن ما يثير الغيظ حقا، هو أن يقوم شيطان ما بتبرير فعلة شنيعة اقترفها باسم الله وباسم الدين، وها هو الشوباني بوقاحة فجة، يتمثل الرسول عليه أزكى الصلوات، في ما عرف في السيرة النبوية العطرة باسم حادثة الإفك، ليداري سوءته، مجيبا معارضا له بأنه اقترف ما أسماه غزوة الإفك، كاذبا على الله وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وحاشا أن يضع تافه ما رأسه برأس نبينا الكريم، فقط، ليبرر فضيحة أخلاقية ستطارده أبد الدهر، وستكون المسمار الأخير الذي يدق في نعش حكومة فاشلة تقودها زمرته.
نعم.. كلنا شاهدون على زمن الرداءة هذا، شاهدون على زمن سقط فيه قناع الزيف عن وجوه كالحة ، شاهدون على من يبررون الخيانة والفساد باسم الحب، ويبررون القمار والميسر باسم اللعب وشحذ الذكاء، ويبررون الكذب والنفاق باسم التقية، ويبررون الفتنة التي يعملون جاهدين على إشعال شرارتها في هذا البلد الأمين،باسم منافعهم الضيقة وإيديولوجيتهم، بضاعتهم الكاسدة التي يريدون عنوة ترويجها في سوق العميان.. ولكن عبثا يفعلون، لأننا سنقف في وجوههم بالمرصاد،وسنفضحهم .. وسنقول لهم حينما يجد الجد : يا أنتم، لن تمروا.. مكانكم هناك.. في أي ركن قصي تختارونه .. من مزبلة التاريخ..
بقلم // سعيد الوزان
المصدر : إستقلال أنفو

تعليقات