منافقون بلا حدود



نفاق هذه الحكومة لا حدود له، من «ملحمة» مفاوضات تشكيل الفريق الحكومي، حيث لا مبادئ ولا ثوابت، بحيث يمكن للشخص أن ينتقل بقدرة قادر من متهم بالفساد، بحسب رواية الحزب الحاكم، إلى وزير خارجية يتكلم باسم الأمة أمام الخلق أجمعين، مع أن الشخص هو نفسه.
وآخر ينتقل من صديق وحليف إلى شيطان وإبليس، مع أن الشخص أيضا هو نفسه، وصولا إلى السلوك التدبيري والشخصي لوزراء لا علاقة لهم إطلاقا بكل الشعارات التي يسلخون بها خطاباتهم «المَفْروشة». فعندما نجد وزيرا «شيوعيا» يستغل منصبه لإعفاء  رفيقة دربه من المتابعة القانونية في حادثة سير افتعلتها عن قصد، واستهدفت فيها رجل أمن من أبناء الشعب، دون أن تحترم رمزية زيه الوطني، بينما كان يجدر به أن يدافع عنه ويضمن له حقه القانوني في رد الاعتبار، فضلا عن واجب إعطاء النموذج في احترام القانون.
وعندما نجد وزيرا «إسلاميا» اسمه الشوباني يستغل منصبه للتسجيل في جامعة، وتعمده ضرب مبدأ تكافؤ الفرص وإقصاء مواطنين عاديين، لهم الأولوية لكون صديقه «الحقوقي» حامي الدين، الذي استطاع بعد «تبيلص» نفسه في منصب أستاذ جامعي بالرباط، «تبيلص» زوجته كأستاذة جامعية بمراكش، موجودا في «العرس»، وكان يجدر به أيضا أن يقدم النموذج في احترام القانون، ليقتنع آلاف الموظفين بـ«قانونية» عدم الترخيص لهم في متابعة دراستهم الجامعية، بما في ذلك الزملاء السابقون للوزير في الثانوية التي كان يدرس بها في مدينة الراشيدية، والذين رُفضت طلبات بعضهم.
وأخيرا وليس آخرا، عندما نجد وزيرا من حزب «الوسط» اسمه مبديع يكرس الفساد الحزبي الموجود في جهة الصحراء، بتدشينه لحملة انتخابية سابقة لأوانها، محاولا تنظيف صورة حزب لطخته فضيحة «ملعب أوزين»، عندما قال حرفيا بـ«استثناء جهة الصحراء من إصلاح وتحديث الإدارة»، قاطعا وعدا لمغاربة هذه الجهة بكونه أقنع رئيس الحكومة بتفعيل التوظيفات المباشرة كما هو معمول به منذ منشور يعود لسنة 1976، ضدا على كل المضامين القوية والواضحة وغير المسبوقة، التي جاءت في الخطاب الملكي بمناسبة المسيرة الخضراء، والذي انتقد بوضوح نمط التدبير الحالي بالصحراء، والذي يسعى الوزير الآن لإنعاشه من جديد، عندما قال الملك محمد السادس: «كفى من سياسة الريع والامتيازات، وكفى من الاسترزاق بالوطن». فكأني بالوزير لم يسمع هذا الخطاب أو لم يفهمه، مع أني أرجح أنه لم يفهمه، ناسيا «البهدلة» التي تعرض لها رئيسه أمام البرلمان من طرف آلاف المعطلين الذين يطالبون بتفعيل التزام حكومي وقعته الحكومة سنة 2011، يعطيهم حق التوظيف المباشر.
إذن فعندما نلاحظ الكيفية العجيبة التي تصبح فيها الألوان الحزبية لونا واحدا، لونا باهتا وممسوخا بسبب النفاق السياسي الواضح، لسياسيين ملونين في الحملات الانتخابية، وموحدي اللون والسحنات في المناصب الوزارية، عندها لن نلوم المواطن العادي إن لعن السياسة ومشتقاتها، إذا كانت تعني في معجم سياسيينا نفاقا واستغلالا للنفوذ واحتقارا لذكاء الشعب.
والغريب، هو أن «يخرج علينا» رئيس الحكومة، وهو مطمئن البال على شعبية حكومته «النزيهة»، متهجما على كل منتقديها بعبارات تصل حد «الشيطنة».
لكن نترك «الرفيق» الصديقي يقنع أسرة الشرطي المدهوس وزملاءه وأصدقاءه بنزاهته، ونترك «الأخ» الشوباني يقنع الطالبة التي أقصيت من سلك الدكتوراه في كلية الحقوق بأكدال، مع أنها اعتمدت على إمكاناتها العلمية الخاصة في حين اعتمد الشوباني على نتائج الحوار الوطني الذي أطلقته وزارته وكلف دافعي الضرائب 17 مليار سنتيم، نتركه يقنعها هي وأسرتها وزملاءها الطلبة وكذا آلاف رجال التعليم المحرومين من استكمال تعليمهم العالي، بنزاهته، ونترك الوزير «مبديع» يقنع مغاربة سوس والأطلس وجبالة والريف ودكالة والشاوية وغيرهم، والذين يؤكد الدستور أنهم سواسية، يقنعهم بكونه فعلا ينوي إصلاح الإدارة وتحديثها، مع أن كل أبناء الفقيه بنصالح يعرفون جيدا نوع «التحديث» الذي مارسه وما يزال السيد «مفديع» في البلدية التي يترأسها، ونتركه أيضا يقنع عشرات الآلاف من المعطلين بأنه نزيه لأنه سيفرض عليهم مباراة للتوظيف تتحكم فيها مناصب محدودة، بينما أبناء جهة أخرى سيتم إحياء منشور وزاري مرت عليه حوالي أربعين سنة، يعطيهم حق التوظيف مباشرة بدون مباراة أو تكوين.
طبعا الوزير الصديقي يعرف جيدا أن أقصى ما يمكن فعله في وزارته المشرفة على قطاع اجتماعي معقد، كالتشغيل، قطاع تتحكم فيه النقابوية والحزبوية الضيقة كقطعة شطرنج، هو أن يستغل منصبه لإنقاذ رفيقة الدرب من تبعات فصل إهانة رجل سلطة أثناء مزاولته لعمله والضرب والجرح، إذ أن لائحة الراغبين في الاستوزار من رفاق الراحل علي يعتة ماتزال طويلة، «منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر»، وعندما يحين موعد 2016 سيخلي الرفيق منصبه لـ«شيوعي» آخر، كما فعل رفيقه قبله والذي حضر للبرلمان سكرانا، إذ المهم هو أنه سيضمن أيضا، وعلى غرار كل الرفاق العابرين، تقاعدا مضمونا ومريحا، من أموال الشعب الذي تتباكى على محنه الأدبيات الماركسية والتقدمية.
أما الوزير الشوباني، وهو عضو اللجنة المركزية «للنزاهة والشفافية» داخل حزبه، والرئيس السابق لشي حاجة اسمها «المرصد المدني لتخليق الحياة العامة ودعم الشفافية»، فقد اختار طريقا مناقضا لكل المفاهيم الغليضة التي تحملها المهام السابقة الذكر. فهذا «العبقري» ينبغي في الحقيقة وضع صوره في الأماكن العامة ومراكز تكوين الأطر، لأنه يعطي دروسا «قيمة» للشباب وأطر الغد عن الكيفية التي يمكنك بها أن تضع رِجلا هُنا ورِجلا هناك، والأهم هو أن تكون محسوبا على إدارة معينة، وتستفيد من امتيازاتها، بينما أنت في الحقيقة متفرغ لحزبك، كأن تكون أستاذا بثانوية، وتستفيد من نفوذك، في التفرغ للعمل «الدعوي» والحزبي طوال 17 سنة، ولا أحد في النيابة أو الأكاديمية يتجرأ على استفسارك عن شبحيتك، فيقبل أن يكون سندباد الحزب الذي ينسق بين المكاتب الإقليمية لحزبه في جهته، ويقطع أكثر من ألف كيلومتر ذهابا وإيابا أسبوعيا من الراشيدية إلى مقر الحزب والحركة بالرباط، دون أن يؤثر ذلك نهائيا على أدائه لمهنته التربوية مع أبناء الشعب، بينما أنت على الورق موظف «جيد»، يستفيد من ترقياته بشكل «سريع»، بل يمكنك أيضا، عندما تهب رياح الحزبية كما تشتهي أشرعتك، بشكل يصنفك به الجمهور من تيار «الصقور»، فيمكنك أن تحصل على شهادة الماستر من كلية بالرباط، وهي شهادة تفترض حضورا دائما في الكلية، وفي نفس الوقت برلماني عن دائرة تتواجد في الحدود الشرقية، وفي نفس الوقت رئيس فريق برلماني ورئيس لجنة برلمانية بالعاصمة الإدارية، وفي نفس الوقت تتواجد يوميا بتمارة كمدير لجريدة حزبية.
لذلك وفي موضوع الدكتوراه، فما وقع أثبت أن الوزير الشوباني قادر على أن يوفق بين مهام كثيرة، ومنها طبعا التوفيق بين عمله في قطاعين حكوميين، هما العلاقة مع البرلمان والمجتمع المدني، وفي نفس الوقت إنجاز أطروحة دكتوراه، وما أدراك ما أطروحة الدكتوراه بالنسبة للذين يقدرون البحث العلمي الحقيقي، مع ما يفرضه نظام هذه الشهادة منذ اعتماد ما يعرف بنظام (LMD)، من ضرورة الحضور المستمر للقاءات التي يعقدها مختبر البحث الذي قبل تسجيله، فضلا عن التفرغ الكامل للبحث، وكل هذا في ظرف ثلاث سنوات فقط، بمعنى أن السي الشوباني عليه أن يناقش أطروحته الجامعية بداية سنة 2018، دون أن يؤثر ذلك نهائيا على مردوديته في إدارته، علما أن كل الباحثين الذين أنهوا أطروحاتهم الجامعية يعترفون بالآثار النفسية والعصبية والجسدية الوخيمة التي تخلفها فيهم هذه الأطروحات بالرغم من تفرغهم الكامل لها، وفيهم من هم أفضل بكثير من الوزير الشوباني. وحتى إن كان الوزير قادرا على كل ذلك، فلماذا رفضت الحكومة منح الفرصة ذاتها لباقي الموظفين؟ هل لكون الشوباني من فصيلة نادرة خارقة للعادة بينما هؤلاء ضعاف ولا يقدرون على التوفيق بين العمل والبحث العلمي؟
الجواب أتى في وقت سابق من رئيسه المباشر والأمين العام لحزبه، فعندما سئل عن سبب عدم الترخيص للأساتذة باستكمال تعليمهم الجامعي، رد بأنه «من غير المعقول يخليو أولاد الشعب بلا قراية ويمشيو يقراو»، هنا نجد أنفسنا مضطرين لإعادة تعريف مفاهيم الحق والواجب والعدالة والإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص، إذ كيف يمكن التشديد على ثقافة الواجب مع العموم والسماح بالاستثناءات مع المقربين؟
وفي المستقبل القريب عندما سيُسأل بنكيران عن هذه الفضيحة، لن يعدم الوسيلة «لفدلكة» جواب جاهز، تماما كما برر له في وقت سابق تدخله في انتخاب ابنه في تركيا رئيسا لطلبة الحزب هناك بكون «ولد الوز عوام».
أما الوزير الشوباني فسيكون إذن أمام أمرين، إما أنه سيهمل عمله الحكومي الذي يتقاضى من أجله راتبا وتعويضات تصل إلى عشرة ملايين في الشهر، ليبحث وينقب ويدرس، خلال السنتين المتبقيتين للانتخابات القادمة، تماما كما يفعل الباحثون النزهاء، أو أنه سيكلف من سينجزها له، ويكتفي هو بوضع اسمه أو المقدمة في أحسن الأحوال، ولن يجد مقدمة «أكثر بلاغة» من «الإنشاء» الذي ألقاه بمناسبة افتتاح الحوار الوطني حول المجتمع المدني في مارس 2013، لاسيما وأنه اختار موضوعا للدكتوراه هو نفسه حرفيا موضوع الندوة، بمعنى آخر، فسعادته لن يتعب نفسه إطلاقا، كما يفعل باقي الباحثين الذين يقطعون «السباط» في سبيل الحصول على المراجع أو الوثائق والإحصاءات، مادام أن الوزير اختار موضوعا توجد كل مراجعه ووثائقه وإحصاءاته بين يديه في أرشيف وزارته، فضلا عن مئات الدراسات والمداخلات التي جمعها بـ«ذكاء» على هامش هذا الحوار الوطني. أما إذا أراد الوزير أن «يكملها ويجملها»، فهي أن يختار «الحقوقي جدا» حامي الدين مشرفا على رسالة الدكتوراه، أو يتم وضع اسم أستاذ مشرف آخر على الورق بينما يشرف هو عليها، كما هو معمول به في بعض جامعاتنا، وبالتالي سيتم انتقاء لجنة للمناقشة على مقاس السيد الوزير. وهكذا لن يبقى لنا سوى أن نهنئ السيد الوزير على منصب أستاذ للتعليم العالي، والذي سيحصل عليه حتما بمجرد انتهائه من مناقشة أطروحته.
فمن تسول له نفسه ضرب مبدأ تكافؤ الفرص للتسجيل في سلك الدكتوراه، هل يمكنه أن يترفع إذا تعلق الأمر بالحصول على «شرف» التدريس في الجامعة؟ فكما خرق القانون في عدم الحصول على ترخيص للتسجيل في الجامعة، فإنه سيخرقه في نقل ملفه الوظيفي من وزارة التربية الوطنية إلى وزارة التعليم العالي، وهو الأمر الذي يحلم به المئات من دكاترة التعليم المدرسي بسبب متاريس البيروقراطية، والتي لن تقف حتما أمام السيد الوزير.

تعليقات