آخر أيام الصيف في حارتنا

لم يتنهي موسم الصيف بعد في حارتنا ، إذ ليزال شاطئ حمام الأنف يغري الباحثين عن الراحة و يثير الحرارة في قلوب العاشقين أولئك الذين اختارو الهروب الى امواجه ليسرقوا بعض اللمسات و عدد لا بأس به من القبلات و الأحضان . قبلات بنكهة الملح الطبيعي تغطيها امواج البحر العاتية .
جميلة أنت ياحمام الانف ، بهية كلوحة رسمتها سوفينسبا و هي تروي حبها لسيفاكس ، مثيرة انت يا مدينة البايات القديمة كوجه حبيبة مسيكة و هي تغني عشيري لأول وللاهي ما ننساك لتؤجج النيران في قلوب جمهورها الذي يصلي على النبي محمد كلما إعتلت جوهرة تستور المسارح .
من حسن الطالع أن أسكن إحدى أحيائك و كم هي نعمة من الله أن ألتقي بوجه جبل بورقنين الأخضر كل صباح قبل أن استقل القطار و انا ذاهبة الى العاصمة ، حين تلفني نسمة سبتمبر معها رائحة البحر و بعض الذباب المزعج المتطاير من المزابل تحت تلك الشمس الحارقة ، و رغم ذلك أظل أبتسم و أذكرقول أمي : إحمد ربي نحن عنا بحر … و اليوم أيقنت ان بحرك أنقذني من حرارة فاقت الأربعين و إذهبت بعقول أهل تونس من أصابهم الإحباط و المرض من حرارة الشمس و كثرة المزابل و غلاء الاسعار و غباء أهل ساسة الوطن …
و لكننا هنا ، في الضاحية الجنوبية لم ننزعج كثيرا ، فبحر حارتي كان مرفا لحكايا كبش العيد و كان حضن لأحلام الباحثات عن عرسان عقب إنتهاء الموسم الصيفي المكلل بعدد هام من الاعراس و الاحتفالات و لم يحصدن شيئا .
في آخر أيام الصيف ، تنصح عجائز الحارة الصبايا بتصدر الموج بمعني أن تذهب البنت الى البحر و تفتح صدرها لسبعة موجات و تدعو على أعدائها و كارهيها و حسادها و الحاقدين على جمالها ، فموج البحر في آخر الصيف يباركه سيدي بوريقة الواقف على جبل المدينة ليحرس نسائها من شرور الإنس و نيران الجان ….
هنا حمام الأنف حيث تلتقي الأسطورة مع الواقع لتصنع من حبات رمل المدينة حبات لؤلؤ نشتهي تقبيلها عندما يطول غيابنا عنها ، بركات الموجة السابعة القادمة من شاطئ سيدي بوسعيد الباجي تضيء الظلام الذي يسود الشاطئ بسبب غياب التهئية و نقصان التنمية في المنطقة على غرار الضاحية الشمالية التي تنعم بخدمات الدولة و تستقطب السياح ….
في آخر أيام الصيف ، نتوجه للحمامات الساخنة للنزع عن أجسادنا سمرة البحر و لننعم بلمسات الخالة “نعيمة” أو الخالة “هادية” حيث تستلقي الزائرة على المصطبة لتٌغسل بالصابون ثم يُسكب فوقها الماء الدافئ و بكل لطف ينظف جسدها . بعد تنظيف الجسد و الاستلقاء تضع الزائرات بعض المستحضرات الطبيعية التقليدية مثل الباروق و الطفَل لتقوم بتفتيح الوجه و استعدادا للعودة الى العمل و الى الحياة ، و إستقبالا لفصل الخريف الذي سيكون له رونق خاص لانه في ضيافة مدينة يحدها جبل و شاطئ .
بقلم مها الجويني

تعليقات