ترمضينة V: شكرا داعش، لقد أنقذْتِ والدي!



كنت طفلا يافعا وكان من يعفي عن لحيته يسمى في قاموسي البريء "سني"، ومن تضع على رأسها قماشا تسمى "ملتزمة". تعلمت هذه المصطلحات أساسا من والدي الذي لم يكن هو الآخر يميز بين تيارات الحركة الإسلامية الى نهاية التسعينات.
لا أعلم سر جهل والدي أو تغاضيه عن التمييز بين روافد الحركة الإسلامية المختلفة، ربما لأنها لم تصل الى مستوى التمايز الحاصل الآن وربما لأن والدي الذي زادت درجة تدينه وغادر مباهج الحياة، في هذه الفترة، لم يكن يريد أن يُظْهِر لنا نحن الأطفال ملامح الشقاق داخل قبيلة الإسلاميين الواحدة.
أبي كان مولعا بكاريزمية الشيخ الشيعي حسن نصر الله وكنت أجلس بجانبه ننصت الى خطبه الرنانة، على قناة المنار، لساعات و كذلك افتتنت بالرجل.
أسامة بن لادن، كان أيضا بطلا في عين الوالد وأنا اعتبرت الرجل كذلك فهو الخليجي الثري الذي فضل شعاب تورابورا على رفاه "حاضرة" الرياض الظاهر على الأجسام المترهلة للسعوديين الذين كان والدي يلقبهم، و لا يزال، بالـ"البانـGــوان".
أُعْجِبَ مولاي محمد البلغيتي بجماعة العدل و الإحسان و تعاطف في سره مع حزب العدالة و التنمية و مال خاطره لطيبة أعضاء جماعة الدعوة و التبليغ.. و حدها طقوسية الصوفية لم تعجب والدي بعد أشهر قضاها داخل الحركة التيجانية فنفره ثوبهم الأبيض الذي يتوسط جلسة الدراويش من أجل تحقيق الاجتماع الروحي بين الشيخ و مريديه كما نفره قول التيجاني: قدماي على رقبة كل ولي من آدم إلى النفخ في الصور!
كلما زرت والدي في قريته البعيدة (حيث يعيش على دويلة مساحتها هكتار من أرض حَفَّظَها و حقق لها جزء من الاستقلال الطاقي عبر مياه بئره و جزء كبيرا من الأمن الغذائي الذي يضمنه عبر خضر مزرعته و حليب معزه) أناقشه و يناقشني و يسخر مني و من اليسار و من حمرة الرايات و الأفكار.
منذ سنوات و والدي يتتبع الصراع بين (رموزه) هؤلاء الأسلاميون أبناء القبيلة الواحدة.
شُفِيَ الأب، و أنا قبله، من عمى الألوان اتجاه الصباغين الذين خلطوا ألوان السياسة و الدين في وعاء مثقوب.
بدأ يطرح السؤال حول سر التطاحن الدموي بين بين حكمت يار و مسعود و برهان الدين رباني و طالبان على أرض أفغانستان.
كثرت الأسئلة فأصبح الرجل تائها أمام التحالفات اللحظية و المرحلية بين هذا السني مع ذاك الشيعي ثم الانقلاب عليه و التحالف مع النقيض متى حركت ريح السياسة كثبان المصالح من مكان الى مكان!
لماذا يدعم مفتي الديار السني نظام بشار العلوي الجبان؟
لماذا "يتنكر" الشيخ حسان دم الإخوان؟
لماذا تتقاذف قبيلة بنكيران الحجر و التهم مع جماعة العدل و الإحسان؟
لماذا و لماذا و لماذا؟
من منهم يمثل الاسلام؟
هذا يمثل الاسلام! لا، ذاك يمثل الاسلام! أبدا، بل الآخر هو الأقرب لمُثُلِ الاسلام!
مع مجيء داعش تأكد والدي أن الله في باطن الأرض متجليا في الماء الذي يعطي لصحرائه القاحلة، في طاطا، خضرة تسر الناظرين كما تأكد أن الله يتلألأ في ضوء النجوم الصافية التي تنير السبيل.
مولاي محمد يرى الله يوميا في ابتسامة جارته الزهرة باري التي تشفي العليل.
من صفات الله الرحمان الرحيم تواجده في كل مكان في الماء و السماء و ابتسامات الإيماء..
أكيد أن الله غادر "دولة الإسلام في العراق و الشام"..
لو بقي الله هناك لما أطلقت النيران و لا سقطت الجدران و لا يُتِمَ الصبيان.
شكرا داعش لقد أنقذتي والدي.

تعليقات