قطاع التجارة بين النحل و الدود

على الزوراء من البشرية جمعاء ، عبر الحقب و اﻷزمنة ، ولو كساحر من قبعته ، يستحيل أن تستخرج خسيسا مخيرا ، بل كركوزا مسيرا ، يتحكم في حبال أفكاره طابور من باعة القردة ، يقبع في مقصورة قيادتهم إبليس لعين ، أقسم بالعزة ليزينن في اﻷرض لعباد الله وليغوينهم أجمعين إلا المخلصين منهم . قس على ذلك كل الضوضاء المستشرية في ظل الخلافات السياسية القائمة حول مشروع القانون المالي لسنة 2014 وتحديدا المادة 145 مكرر، هذا الذي خرج من قمقمه مردة مدربون على الإسترزاق من وراء أزمات ، تخلق رواجا مفتعلا ، أساس مهمته تصفية و تصريف معروضاتهم البائرة في مجموعة من الدكاكين الحزبية ، شأنهم في ذلك شأن المواسيم التجارية التي تُقام فيها التنزيلات لإستيفاء رأس المال الذي تمثله البضائع الراكدة .. لعل مول الحانوت يزن خطواته بميزان الساعة وليس بمكيال الصروف القديم .؟؟

لقد ترك الوالد رحمة الله عليه من الحِكَم ما إن وفقني الله ، لن أتخلف عن جمعها وحفظها في كتاب كي تعم المنفعة ، تكريما لكل مول الحانوت يسير على النهج الحكيم ، و أختار لكم منها اليوم ما مكث في الذهن حول واقعتين حقيقيتين ٬ أما الأولى فقد جرت في زمن كان فيه التجار يتفقون بالغمزة ويتغاضون الدبزة ، و ذلك عندما لاحظ المسيرون آنذاك لمجموعة من مطاحن الدقيق ، أن إقبال تجار جهة الرباط سلا بخصوص جلب الدقيق الممتاز من فاس ، كان مرتفعا بالمقارنة مع منتوجاتهم ، فتحركت الوساطات والإتصالات حينذاك لإجبار التجار على إفراغ مخازن المطاحن المشتكية من الركود بفعل تدني جودة دقيقها ، كما تم إرغامهم على الإقتصار كرها والإكتفاء و عدم تجاوز ذاك النوع المعين من المنتوج بوسائل ملتوية غلب عليها طابع الإبتزاز ، وقد تزامن الحدث مع مناسبة لدى تاجر من بينهم إجتمعوا عنده على كلمة رجل واحد ، خلصوا منها بإتفاق سلس ينم عن علو كعب و كثير من الذكاء ، يقضي بمجاراة و تلبية رغبة أهل الحل والعقد وقتذاك ، وما أن نفذ من التجار دقيق فاس حتى وقعت كارثة لم تكن في حسبان المتسلطين ، بحيث دأب رب مخبزةٍ عصرية ، جل زبنائها من المسؤولين بالسفارات الأجنبية على إعتماد عينة ممتازة من ذات الصنف ، كانت مشهورة بجودتها العالية في إعداد خبز وحلويات من المستوى الرفيع ، وكان مالك هذه المخبزة من الأصدقاء و زبناء الوالد الأوفياء ، هذا الأخير وبعد نفاذ دقيقه المفضل ، إنقرض العوض في المفروض المعروض لدى الوالد و زملائه ، فلم يجد بدا ، حفاظا على سمعة محله من الإمتناع عن توفير الخبز و الحلويات ، ما دفع بزبنائه المتميزين إلى الإستفسار حول أسباب هذا الخلل الخطير ، و النتيجة أن مسؤولا رفيع المستوى بسفارة الولايات المتحدة الأمركية رفع تقريره إلى الجهات المعنية ، لتأخد الأمور منحى آخر ، تحركت على إثره الحرارة في أسلاك الهواتف ، فتم تدارك الأخطاء بسرعات قياسية ، رفعت من منزلة التجار لدى السلطات عندما إنقلب السحر على الساحر. ما يفرض علينا التساؤل بنوع من التدبر : ـ هل ياتُرى لدينا اليوم من بين التجار من يسيرون وفق نهج سلفٍ يؤمن بأن في التأني السلامة وفي العجلة الندامة ، أم أن أحزمة السلامة قد تمزقت ، أُو كولّْها يْلغي بْلغاه ..؟؟

أما الواقعة الثانية فتحكي حسب الوالد رحمة الله عليه أن فقيها أقام في دوار على طريقة ( مشارط ) مدة طويلة ، جمع فيها مبلغا من المال ، شاءت الأقدار أن يصرفه ذات سنة فلاحية ممتازة في شراء محصول أهل المدشر من التمر ، لعله يجني من بيعه أرباحا تخول له ولوج مجال الإستثمار كنحلة زنانة ، يطير من حلاوة إلى أخرى ، ولكن العكس كان له بالمرصاد ، سيما وأن محاصيل السنوات الموالية جاءت مزدهرة بالخير الوفير ، إذ أبى سوء الحظ إلا أن يرافقه على مدى طول فترة تخزينه للتمر حثى فسد وأصابه التسوس ، ليُخَلِّف لنا هذا الفقيه وصية عجيبة تنص على تحريم المتاجرة في أي شيء يمكن أن يُخلَق في بطنه سببُ فنائه ، لنتسائل مرة أخرى بنوع من الإستنباط ، إن كان قد لحق بقطاع التجارة هو الآخر جنس من التسوس ، يقضي أن تعيش على إتلافه يرقات ودود و حشرات .؟؟

شخصيا لست من هواة تبخيس مجهودات أي مواطن يناضل من موقعه كتاجر ، ولكنني لا أرضى أن ينوب عني متحمسٌ متهورٌ تخول له أحلامه الإعتقاد أنه إنضم إلى خلية النحل ، لإنه ببساطة شديدة عندما يتعصر في الواقع يخرج منه شيء آخر غير العسل .!!.وقديما قال أجدادنا :ـ واش إيفولوسن آيتفين آمان . ماترجمته أن المشاغب من ضمن الديكة هو من يهرق الماء .. والنتيجة أن خم الدجاج بأكمله يصبح عرضة للنفوق عطشا ... سنة سعيدة مول الحانوت ..؟؟

الطيب آيت أباه من تمارة                                             

تعليقات